الأربعاء، 13 أغسطس 2014

شهادات حية لأطباء رابعة والنهضة



بين ليلة وضحاها تحول ممعتصمو ميداني رابعة العدوية والنهضة من متظاهرين سلميين أحياء إلى شهداء فى سبيل الشرعية.. وبناء عليه تضاربت روايات الشرطة حول استخدام العنف في فض الاعتصام .
"مصر العربية" مازالت تتابع ملف فض الاعتصام، وتنشر شهادات حية لأطباء المستشفيين الميدانيين برابعة والنهضة حول اللحظات المريرة التى عاشوها في ساعات فض الاعتصام.
الدكتورة فاطمة البياضي، أخصائي جراحة المخ والأعصاب، متطوعة بمستشفي رابعة الميداني منذ مذبحة الحرس الجمهوري، قالت: "ليلة مذبحة فض الاعتصام جاءتني تحذيرات لمغادرة الميدان.. وكان نص التحذير "أنت طبيبة شابة يجب ألا يضيع عمرك في مهاترات"، كما أنذرني زميل بالمهنة يعمل في مستشفي عسكري، وقال "اليوم أكيد فيه حاجة لأنهم طلبوني أكون جاهز ولا أسافر أو أنشغل"، وكان ردي عليه "شكرًا علي التحذير لكن أنا لن أغادر مكاني، ومصيري مرتبط بمصير إخوتي في الاعتصام" .
وأكدت البياضي، أنها ذهبت إلى ميدان رابعة كمعتصمة ومتطوعة في نفس الوقت، وقالت: فوجئت هناك بوجوه متطوعة من زملائي لم أتوقع يوماً رؤيتها متطوعة في ظروف خطرة، وليلة فض الاعتصام جلسنا سويا حتى صلينا الفجر، ومرت الركعة الثانية التي دائماً تعودنا منهم علي الهجوم في مثل هذا التوقيت، ولم يحصل شيء فتوقعت أنه إنذار خاطئ وحرب نفسية كالعادة .
ساعة الصفر
وتابعت الدكتورة فاطمة روايتها كشاهد عيان: "بعد ساعة من صلاة الفجر فوجئنا بالهجوم من ناحية طيبة مول، وكان هناك آثار دخان كثيف من تجاه "طيبة مول" وبدأنا في سماع زخات الرصاص ثم اتخذنا وضع الطوارئ لاستقبال الجرحي، كما تم توزيع بعض الأطباء في مدخل المستشفي من أسفل للتعامل مع طلقات الخرطوش وحالات الاختناق بالغاز، علي أن تستعمل قاعة المستشفي الميداني في حالات إصابات الرصاص الحي".
أول فوج من المعتصمين الذين وصلوا المستشفى الميداني كانوا جميعا شهداء، أصابتهم طلقات رصاص مدخلها غريب كأنه فوهة مدفع لا سلاحا عاديا وكان منظر الجروح غريبا – الكلام للدكتورة فاطمة البياضي - جميع الإصابات عبارة عن دماغ متفجرة والجرح مفتوح بما لا يقل عن ٢٠ سم والمادة الدماغية خارجة منه ومتهكتة.
وأضافت: "بعدها توافد الجرحى وبدأنا نتعامل مع المصابين  بخطة الطوارئ التي تدربنا عليها سابقاً، وركبنا أنبوبة حنجرية  للبعض له علي أمل تحويله إلى الرعاية المركزة، وتعاملنا مع جروح الآخرين حسب احتياجها لكن معظم الإصابات كانت عنيفة، فحاولنا التواصل مع سيارات الإسعاف لكن اتضح استحالة تحويل الإصابات العنيفة للمستشفيات.. وبدأت الحالات الخطيرة تتراكم لدرجة أننا أصبحنا نختار بين من يمكن أن يستفيد من تركيب أنبوب حنجرية ومن هو ميت لا محالة ولا داع لتضييع الوقت معه، وتلونت الأرض بلون الدماء، وأصبح واضحا تجاوز المجزرة لحدود مجزرة المنصة عند جامعة الأزهر من درجة الإصابة و نوعية الأسلحة المستخدمة".
ثم قامت قوات من الجيش بإلقاء بعض القنابل المسيلة للدموع حتي إن بعض الأطباء فقدوا الوعي، كما فوجئت بشقيقتي، طبيبة جراحة التجميل المتطوعة معنا، يحملها اثنان يحاولان إفاقتها وتمزقت بين رغبتي في الاطمئنان علي شقيقتي وبين إكمال واجبي، وانتصر صوت العقل وأكملت مع الجرحى.
إصابات الأطفال
أفادت البياضي بوقوع أطفال مصابين بالاختناق إثر ضرب القنابل المسيلة بالدموع، وقفت بهم أمهاتهم أمام "مراوح الهواء" عسي أن يفيقوا، وفي نفس التوقيت استنجدت بي صديقة طالبة الدعم الطبي عند طيبة مول، مؤكدة أن الضرب فاق الخيال والمصابين في تزايد مستمر.
وانهارت البياضي باكية، وهي تروي شهادتها قائلة: "لا أنسى جريحا كان فاقد الوعي ورأسه مفتوحا برصاصة أصابته مباشرة، لكن "الحدقة" متفاعلة بمقاييس جراحة الأعصاب لابد من تركيب أنبوبة حنجرية ونقله لرعاية مركزية، ونظراً لاستحالة نقل الجرحى للمستشفيات أصبحت إجراءات إسعاف هذا المصاب مضيعة للوقت، وسط هذا المشهد ظل صديقه يستنجد بي صارخاً "دكتورة والله فيه الروح"، وعندما خرجت روحه إلى خالقها كان رافعا إصبع السبابة بالشهادة، وسط ذلك كنت أقف عاجزة لا أستطيع فعل شيء".
لفتت البياضي إلي أن بعد ذلك تعبأت الأرض بالشهداء والمصابين،  وأصبح رأس شهيد مقابل آخر، وقالت: "وصل الأمر إلى أننا كنا نضع شهداء فوق بعضهم لنترك مكانا نداوي فيه الجرحي،  فجأة بدأ صوت زخات الرصاص يقترب وأصبح المستشفي والقاعة ذاتها مستهدفة، وبدأت طائرات الهليوكوبتر تقذف علينا قنابل الغاز، وكما كانت خطة الطوارئ التخلص من كل ما يدل علي هويتك الطبية ولبس الملابس المدنية بدل "السكراب" (رداء العمليات للأطباء) وطلبوا منا التخلص من كروت الذاكرة للكاميرات والتليفونات ولكنني احتفظت بها وأجليت مع باقي الأطباء علي أن يجلي الجرحي إلي قاعة الإعلاميين المجاورة، ومن هنا تفرق الزملاء.
عندما وصلنا إلى قاعة الإعلاميين وجدت الشهداء في كل مكان علي الأرض وعندما تذهب إلى مصاب تتعثر أرجلك في شهيد وترقد رأس شهيد بجوار رأس جريح و في الفسحة يتوسطها  شهيد ثالث. وكانت المواد الإسعافية بدأت في النفاد وجاء إلينا  خبر السماح بتحويل الجرحي علي مركز رابعة الطبي".
وتتابع : "وبعد بداية عملية النقل بدأنا نسمع طلقات الرصاص مع قنابل غاز علي كل من يقترب من الباب الأمامي للمركز الطبي  واضطررنا إلى استخدام باب المركز الخلفي ونحن نخفض رؤوسنا حتي لا يطالنا الرصاص، ودخل الأطباء المتطوعون من المستشفي الميداني، وبدأ توافد أغلب الإصابات كالعادة قاتلة لكن وجود غرفة عمليات أعطي أملا لمن يحتاج تدخلا جراحيا
ووصل الأمر إلى أن تم وضع سريري عمليات داخل الغرفة الواحدة.
عمليات بلا تخدير
وتابعت البياضي حديثها: "خرجت من غرفة العمليات وجدت طرقة العمليات أمام غرف العمليات متراصة بجرحي بمختلف درجات الإصابة بين متوسط وعنيف لكن بالمقاييس الطبية والجراحية جرحي فيهم أمل الشفاء، كان من نصيبي أحد الجرحي رأسه "مقسومة" إلى نصفين وأجزاء الرأس خارجه، وللإعجاز البشري كان مقياس "جلاجسو" حسب مقاييس جراحي الأعصاب حوالي "١١" وهو رقم جيد يعطي فرصة جيدة للنجاة إذا تم العلاج، وكان هناك نقص حاد في أطباء التخدير وكنا نقوم بخياطة الجروح بدون تخدير،  وكان الجلد غير قابل للتقارب فكل ما نفعله  أننا نقوم بتقريب أطراف الجرح دون أن أتمكن من غلقه تماماً .
حينها سمعت البياضي بعض المصابين يقول لها أنا إن شاء الله شهيد وأنا مستبشر خيرا وأرجو أن تعطيني مسكنا فقط وأن تتركيني لكي ألقى مصيري وتذهبي إلى المصابين الآخرين "علشان مش قادر أتحمل الألم" .
وأضافت: "بعد ذلك توجهت إلى مدخل المستشفي الذي قمنا بتحويله لاستقبال طوارئ، وحاولت المساعدة قدر الإمكان وهو ما فشلت في معظمه وأقصي ما استطعناه مع حالات تجبير الكسور،  وتخييط الجروح مع أن أغلبها كان عميقا، ثم أتى لنا دفعة واحدة كم هائل من الجرحي بإصابات مباشرة، وعندما سألت عن مكان الإصابة كانت الإجابة أن هليكوبتر أنزلت اثنين من القناصة أعلى عمارة تحت الإنشاء بشارع الطيران وهما السبب في تلك الإصابات .
غاز ضد الأطباء
حتى الأطباء لم يسلموا من استهداف قوات الأمن، هذا ما تؤكده الدكتورة فاطمة البياضي، قائلة: "أثناء إسعافنا للمصابين بالمركز الطبي تم ضرب طلقة اخترقت الحائط لم تصب أحدا لكنها أثارت فزعا عميقا وانبطح الجميع علي الأرض وكان المشهد يذكرني  بأحد أفلام "ستيفان سيجال" مع فارق التطبيق علي أرض الواقع وأكملنا تضميد جراح من استطعنا ونحن في هذا الوضع، مع صيحات التثبيت والتكبير واليقين بدنو الأجل، وبدأ التذكير بتجديد النية وكان أحد المصابين يقرأ بصوت مرتفع "هنالك زلزل المؤمنون زلازلا شديدا"، و معها يردد "حسبنا الله ونعم الوكيل".
كان معنا عبدالله الشامي مراسل الجزيرة، وحاول التواصل مع قناته لكن الشبكة كانت سيئة وعندما نظرت من شباك الغرفة الخلفية كانت الأرض تحتها (حديقة المسجد) ممتلئة جرحي منتظرين دورهم لدخول ساحة المستشفي والطوارئ وذووهم يطلبون إلقاء أي شيء يداوون بهم الجرحى، فألقينا إليهم شاشا و"بيتادين" وأربطة ضاغطة لوقف النزيف، كإجراء مؤقت، وفجأة جدران المستشفي اهتزت بقنبلة لا أعرف نوعها وفوجئنا  بقنابل الغاز تطلق داخل المستشفي فقفز معظم الأطباء من النوافذ.
وفوجئت بضابط قوات خاصة، يصرخ فينا اخرجوا فورا، فصرخنا "نحن الأطباء وهؤلاء جرحي لن نستطيع تركهم، فكان الرد بمنتهي الصرامة "يا تخرجوا يا ترقدوا جنبهم"  .
وتابعت: "الأمن قابل رفضنا للخروج بالسباب والمزيد من قنابل الغاز فتخلينا عن مرضانا الذين كانوا يصرخون من شدة الألم، توالت صرخات الأهالي "اعملي حاجة يا دكتورة ساعديهم" فحينها عرفت معنى الدعاء "اللهم إني أعوذ بك من العجز والفقر"، لم تمر دقائق إلا ونفس الفرقة اللي اقتحمت المستشفي دخلت علينا الساحة وهددت عبر الميكروفون إن لم نخرج رافعين الأيادي بعلامة الاستسلام سيكون مصيرنا الموت.
لكن تبقي عندي أمل أن يتم نقل الجرحي للمستشفيات بعد إخلاء المستشفى الميداني، لكن ما سمعته بعد ذلك من أنهم أحرقوا المستشفي بالجرحى، وأنه لم يحدث إجلاء للجرحي للمستشفيات..
أحس بصرخاتهم تطاردني وآهاتهم تلاحق نومي كل ذلك أطار النوم من عيني أحسست بالنبي عليه السلام وهو مطارد في الطائف واستشعرت دعاءه "اللهم أني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس".
انتقلت الدكتورة فاطمة البياضي إلى مسجد الإيمان، ووصفت المشهد قائلة: "رأيت صورا لشهداء محروقين منهم المحروق تماما ومنهم المحروق بدرجات، ومنهم من يظهر على وجه علامات الفزع ما يعني حرقه حياً".
اقتحام مستشفى رابعة
من جانبها، قالت الدكتورة مها سيد إحدي الطبيبات المشاركة في إسعاف المرضي برابعة العدوية أنه في تمام الخامسة والربع مساء يوم (14-8-2013) تم اقتحام مقرالمستشفى الميداني برابعة العدوية من قبل قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة وبالتعاون مع الجيش بعد إطلاق كثيف للأعيرة النارية والخرطوش والغاز، مما تسبب في إصابات بليغة وتضاعف حالات الاختناق وأحدث ذلك شللا تاما بالمستشفى أعاقنا عن أداء رسالتنا الإنسانية والمهنية واضطررنا لمغادرة المستشفى.
وأشارت مها إلى أن لحظة الاقتحام كان المستشفى بطوابقه الست والقاعات الملحقة بالمسجد مكتظا بجثامين الشهداء وآلاف الجرحى نظرا لحصار المستشفى من قبل قوات الأمن ومنع وصول عربات الإسعاف منذ الساعات الأولى لبداية الاقتحام، مؤكدة أن نوع الطلقات المستخدمة محرمة دولياً ولا تستخدم إلا في الحروب .
قنابل حارقة
أما الدكتور أحمد المعصراوي، عضو مجلس نقابة الأطباء والطبيب بالمستشفي الميداني بميدان النهضة سابقاً، فقال إن فض اعتصام النهضة بمثابة جريمة في حق الإنسانية، حيث لم يكن فض اعتصامي نهضة ورابعة العدوية شيئا عاديا بل كانت حملة إبادة جماعية باستخدام أسلحة مختلفة .
وأضاف كشاهد عيان ضمن الفريق الطبي بميدان النهضة: "رأيت لأول مرة في حياتي قنابل حارقة تضرب علي متظاهرين عزل، تشعل النيران في أجساد المواطنين، فضلا عن ذلك فإن مقر المستشفي الميداني بميدان النهضة كان مستهدفا لدرجة أننا كنا نجري حاملين بعض المرضي ولكن دون جدوي فالجميع يتساقط من حولنا ونحن لم نستطيع فعل شيء، كما اعتقلت قوات الشرطة المصابين بلا شفقة أو رحمة ضاربين عرض الحائط بجميع الأعراف الحقوقية التي تحمي حتي أسير الحرب لا المتظاهر السلمي فقط" .
كما استنكر المعصراوي منع سيارات الإسعاف من الدخول لنقل المرضي واعتقال كثير من الأطباء، كما لقي كثير من الأطفال مصرعهم مختنقين بالغازات التي كانت تضرب، مؤكداً أنه من الصعب حصر عدد الشهداء والمصابين، ولكن يمكن القول بأنهم تجاوزوا الـ4 آلاف شهيد وأكثر من 10آلاف مصاب فضلاً عن المفقودين حتى الآن .
اتفق معه في الرأي الدكتور يحيي مكية عضو مجلس نقابة الأطباء ومنسق المستشفي الميداني بميدان رابعة العدوية سابقاً، مؤكداً أن معظم الإصابات كانت بطلقات حية في منطقة الرأس والصدر بالإضافة إلي الاختناقات من قبل الغاز المسيل للدموع .
المصدر:
التغيير

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
مدونة افتكاسات http://25janaer.blogspot.com هشام حسنى2014. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

مدونة افتكاسات